كتب: عمر عوض خريص
حينما طالعت أسم رواية (البئر) للروائي د. محمد مسعد سعيد(1) ،استرجعت في ذهني بعض الروايات العربية التي تحمل نفس عنوان البئر، مجردة أو مثنية، ومنها رواية (البئر الأولى) للروائي العربي الكبير جبرا إبراهيم جبرا،وحينها تسألت هل بئر د.محمد مسعد،محاكاة لبئر جبرا إبراهيم،أم هي بئر أخرى، مستقلة في كيانها وكينونتها وأهدافها، فالعنوان عتبة الرواية والدال والموحي لمجريات أحداثها،ولا سبيل لمعرفة ذلك إلا بقراءة النص الروائي والانصهار فيه،واستخلاص رؤيته الفنية والأدبية،فكل عمل أدبي مرهون في قيمته بما يتركه من أثر لدى القارئ أي كان هذا الأثر،وحين فرغت من قراءتها تساقطت تلك الأسئلة،ووجدت نفسي أمام عمل روائي فريد وجديد،تمتد أحداثة من منتصف القرن العشرين إلى ما بعد عام 2010م،أما الفرادة ففي أسلوبه وبنائه اللغوي الأنيق،حتى في حوار شخوصه لا يجنح للعامية إلا في النادر بما يخدم النص السردي،وإما الجديد ففي منهجه وسلوكه الروائي في سبك روايته (البئر) في مزجه للمذاهب الأدبية التي تقيم الرواية وتحدد اتجاهاتها،وهذا المزج أمتد فيها من الرومانسية إلى الواقعية بكل تفرعاتها إلى الوجودية وماتلاها من تجارب حديثة تمخضت عن روايته (البئر).
السياق الروائي
يحمل السياق الروائي لرواية البئر حكاية أسرة يافعية ثرية,هي أسرة زيد الكلدي،عاشت هذه الأسرة حقب تاريخية عديدة وهن ـ حقبة الاستعمار البريطاني لعدن ـ حقبة الحكومة الوطنية للجنوب ـ حقبة الوحدة اليمنية من 1990ـ 1994م ـ حقبة الاجتياح الشمالي للجنوب والسيطرة عليه ـ حقبة الثورة السلمية الجنوبية,وسياق هذه الرواية يتصل بفرعين،أي روايتان مترابطتان لأسرة واحدة،فبطل الرواية الأولى الأب زيد الكلدي الذي جرت مجريات حكايته في يافع منطقة الركب قرية الرخمة،وتنتهي بموته في حادث مع زوجته ناهد في كندا في 7 يوليو 1950م، وقد احتلت هذه الحكاية (35) صفحة من صفحات الرواية البالغة عدد صفحاتها(224) صفحة،وبموت زيد الكلدي الأب تبدأ حكاية أبنه (سيف زيد)الذي تركه أبواه وأخته بمعية عمهما (بلعيد)في عدن لعدم تيسر فيزة سفره لكندا،كان عمر سيف وقتها (11)عاما،وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة الممتدة حوالي سبعون عاما،تتوالى أحداث الرواية في زخم حكائي مثير وجذاب لا يطلقك من أسره حتى تستكمل الفصل فيه،وفيها نكتشف أن الموجود ليست بئر واحدة ولكنها آبار متعددة،قال عنها الراوي وهو نفسه بطل الرواية سيف زيد في مصالحة له مع حبيبته ميمونة(لقد تصالحنا دون أن نعرف،وخرجنا من تلك البئر بسلام كما خرجت أمي..لكن حكاية البئر ستظل تلاحقني على مايبدو.. طريق اليمني كلها آبار..كلما خرج من بئر وقع في أخرى ..اليمن تستحق أن أسميها البئر)،ثم تتعدد تلميحات الراوي لتلك الآبار(وهي عينية ومعنوية)،ومعالجات الخروج منها بالسلامة أو اقل الخسائر.
الحقب الزمنية في الرواية
تناولت الرواية حقب تاريخية رسمت مسارها الأحداث التي عاشتها عائلة زيد الكلدي وأثرت فيها وتأثرت بها، وأول هذه الحقب حقبة الاستعمار البريطاني لعدن حيث عاشت هذه الأسرة في شطر منها حياة مستقرة،كونت لها فيها ثروة لا باس لها بامتلاكها في عدن عدة محطات بنزين وأموال وعقارات أخرى منها في عدن ويافع،وفي هذه الحقبة تعلم الابن سيف زيد في مدارسها مع أخته أمل وأبني عمه بلعيد(جبران وميمونة)،وفيها نرى عدن (هاف لندن) كما يصفها لنا الآباء،هنا نراها مجسمة في رواية البئر،مبانيها ـ شوارعها ـ أسواقها ـ معارضها الفخمة ـ مدارسها ـ سلوك الإنسان فيها ـ وأشياء أخرى في تفاصيلها، ويروي لنا فيها المؤلف اندلاع الثورة والمناهضة للاستعمار،وقد التحم البطل سيف الكلدي وهو طالب بالمظاهرات التي تندد بالاستعمار،والمطالبة بالاستقلال الوطني، حتى أتى يوم الاستقلال وأحتفل مع شعب الجنوب العربي بتحرير بلاده واستقلالها في 30 من نوفمبر عام 1967م، ثم تأتي حقبة الدولة الوطنية الجنوبية وتنظيماتها السياسية الثورية،وتتداعى أحداثها على خطى نهجها الأيدلوجي،وفي هذه المرحلة تعاني أسرة زيد الكلدي،كغيرها من الأسر الثرية فقد صنفت ثوريا في الاتجاه المضاد لها،وفر بلعيد الكلدي هارباً حاملا ماخف وزنه وغلا ثمنه،وبعده تم تأميم محطات الأسرة وعمارتهم السكنية،وفرت الأسرة إلى مسقط رأسها (الخرمة)بيافع حيث تلقى الأمن هناك،ثم كانت هجرتها الى المملكة العربية السعودية وهناك عاشت فصلاً روائيا درامياً رائعا،ثم تأتي الحقبة الثالثة حقبة قيام الدولة اليمنية واجتياح الجنوب واحتلاله،فعندما عاد سيف زيد إلى الرخمة وصفها قائلاً ( عدنا إلى يافع اليوم التالي .. كانت النقاط تدل على أن ثمة احتلال،ولا تدل على أن ثمة وحدة.. فكل مافي النقاط شمالي حتى البراميل جيء بها من هناك .. لماذا أطلقتم رصاصة الرحمة على الوحدة التي حلم بها الشعب طويلا.. تحققت الوحدة ولكن بقوة السلاح هذه المرة ..القوة لاتصنع وحدة بل تصنع تمزقاً على مستوى النفوس ..) كان هذا في فصله ( إلى الرخمة ثانية ..الشرارة الأولى للثورة) وفي هذا يوثق لنا انطلاق شرارة الثورة الجنوبية حيث يصف سيف زيد بقوله (والتخلص من الخصوم السياسيين بتهمة الردة والانفصال،إذ اصبح الانفصال تهمة من لا تهمة له، أوجعت قلوب الجنوبيين ونكأت جراحاتهم ..فبدأت تتشكل في الجنوب خلايا ثورية لكنها لا رابط بينها وبدأت تظهر حركة حتم التي أخذت توزع منشورات وبيانات ودعوات للنضال من أجل طرد المحتل الغاشم.. ـ .. وأن هناك خلية هي نواتها ،وهي الأكثر نشاطاً،وهي في منطقة في محافظة الضالع اسمها زُبيد فتواصلنا معهم فقرروا عقد اجتماعاً في يافع لأن يافع بعيدة جغرافياً عن تحركات الأمن القومي، فاتفقوا جميعاً على أن يعقدوا اجتماعهم في منزلي، كان شرف كبير لي وليافع كلها أن يحدث هذا،..فجاء ثمانية : ستة من زبيد واثنان من جحاف،)،ثم تتوالى احداث الاعتقالات والمحاكمة ومابعدها.
كل هذه الحقب التاريخية المزدحمة بالأحداث ليست هي العصب الرئيسي للرواية بل هناك قصة حب مثيرة بين سيف زيد وميمونة بلعيد تقوم الرواية على بنائها الفني وتأتي تلك الحقب حيثيات لها وأبعاداً متعددة في بنائها الفني، وتداعيات امشاجها الثقافية والسياسية والاجتماعية ، أنها رواية البئرحالة عشق، وحكاية أسرة، ووجع وطن
___________
1) البئر _ رواية _ محمد مسعد _ الطبعة الأولى 2020م _ دار أمجد للنشر والتوزيع _ عمان – الاردن.
العاصمة عدن.. انطلاق عروض مسرحية هاملت وسط حضور جماهيري كبير
شبوة زاجل انطلقت في قاعة المجلس التشريعي في العاصمة عدن، السبت، عروض مسرحية (هاملت)، التي …